الرسول صلى الله عليه وسلم في بيته

 

تجلي صدق إيمان المؤمن يظهر في معاملته للغير بصفة عامة وأهل بيته بصفة خاصة، لأن أهله هم الناس الذين يقضي معهم أكثر الأوقات فلو كان يحسن معاملتهم ويكرم عشرتهم أثر ذلك عليهم وكان هذا الشخص نعم السفير للإسلام داعيا له قدوة لغيره، ولو كان العكس وكان فظا غليظ القلب غير كريم العشرة أثر ذلك سلبا على أهله ولربما توهم بعضهم أن هذا الإنسان إنما يدعوه إيمانه لمثل هذه النوعية الغير محمودة من التعامل. ورفعا لهذا اللبس وإحقاقا للحق جاء آخر درس من دروس مدخل الاقتداء كاشفا عن شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم في بيته باعتباره المثل الأعلى والقدوة الحسنة ونموذج الكمال البشري.

علاقة الدرس بسورة يوسف عليه السلام

- أولا: سيدنا يعقوب عليه السلام كان نموذجا في حسن معاملة أهل بيته من خلال نصح يوسف بعدم قص رؤياه على إخوته مخافة أن يوقع بين الشيطان العداوة؛ قال الله تعالى: ﴿ يابُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُواْ لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِين ﴾. وكذلك أرشد أولاده إلى كيفية الدخول إلى مصر ليبعد عنه عين الناس قال الله تعالى:﴿ وَقَالَ يابَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ﴾. ثم عفى عنهم واستغفر لهم الله رغم كل ما ألحقوا به من خلال ابعاد ابنه عنه وإذايته؛  قال تعالى:﴿قَالُواْ ياأَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِين قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم ﴾.

-ثانيا:  سيدنا يوسف اهتم بشأن أهل بيئته من خلال عفوه عن إخوته؛  قال تعالى:﴿ قَالُواْ تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِين قَالَ لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِين ﴾. وكذلك أمرهم بالإتيان بجميع أهله إلى بلد مصر لإكرامهم؛ قال الله تعالى: ﴿ فَلَمَّا دَخَلُواْ عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُواْ مِصْرَ إِن شَاء اللّهُ آمِنِين وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ﴾.

المحور الأول: محمد صلى الله عليه وسلم الرسول الإنسان

محمد صلى الله عليه وسلم إنسان يمثل الكمال البشري قال سبحانه ﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيم ﴾[القلم:4]. ولذلك  أمر الله عز وجل البشرية جمعاء بالاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم  قال تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب:21]؛ فبتتبع سيرته نجده القدوة الحسنة التي يجب الاقتداء بها، في جميع المجالات والعلاقات، علاقة الإنسان مع ربه، وعلاقة الإنسان بنفسه، وعلاقة الإنسان مع أهل بيته وأقاربه وأصحابه...

المحور الثاني: سمو أخلاقه صلى الله عليه وسلم في معاملة أهل بيته

لقد شهد الرسول صلى الله عليه وسلم بالخيرية لكل من أكرم وأحسن أهل بيته وقد كان هو خير الناس لأهله قال صلى الله عليه وسلم:" خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي "، ومن نماذج معاملته لأهل بيته نذكر:

معاملته لزوجاته

يمكن للإنسان أن يتصنع التعامل الحسن من الناس الأغراب أو الذين لا تجمعهم به علاقات وطيدة ولكنه أبدا لا يمكنه تصنع المعاملة مع أقرب الناس. ولذلك كانت  شهادة السيدة عائشة زوج الرسول صلى الله عليه وسلم أفصح دليل على كمال خلق الرسول صلى الله عليه وسلم حيث كان يساعدهن في عمل البيت -  عن عائشة رضي الله عنها أنه ﷺ: " كان يَخِيطُ ثَوْبَهُ وَيَخْصِفُ نَعْلَهُ وَيَعْمَلُ مَا يَعْمَلُ الرِّجَالُ فِي بُيُوتِهِمْ "، ويكرمهن ولا يهينهن قالت : "ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده امرأة له قط ولا خادما "                            

معاملته لأولاده وأحفاده

كان مثالا للأب الرؤوف والجد الحنون، فكان إذا دخلت عنده ابنته فاطمة قام فقبل رأسها وأجلسها في مكانه، ومرة أطال السجود في صلاة فلما انتهى بين للصحابة أن سبب تأخره في السجود هو حفيده الذي ارتحله أي صعد فوق ظهره يلعب فوقه.

معاملته لخدمه

كان للرسول صلى الله عليه وسلم عدد من الخدم ورغم ذلك لم يعنف أحد سواء بكلمة أو ضرب، وهذه شهادة خادمه أنس بن مالك الذي خدم الرسول عشر سنوات وهو صغير في السن لابد أنه سيغلط ويخطئ في عدة أشياء ورغم ذلك لم يجد من الرسول غير المعاملة الحسنة قال أنس رضي الله عنه:" خدمت رسول الله ﷺ عشر سنين فما قال لي: أفٍّ قَطّ ولا قال لي لشيء لمَ فعلتَ كذا وهلاّ فعلتَ كذا".

المحور الثالث: تجلي إيمان المؤمن وقيمته في معاملته لأهل بيته

واجب على المؤمن الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم في حسن معاشرة أهل بيته سواء الآباء أو الأبناء أو حتى الخدم إن وجدوا، ينفق عليهم مما رزقه الله ولا يجد حرجا في مشاركتهم في أعمال البيت وكذا حسن التواصل والتحدث معهم. قال صلى الله عليه وسلم:" أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وخياركم خياركم لنسائهم"

خلاصة