تقديم مجزوءة السياسة: تعتبر السياسة كآلية من آليات تنظيم المجتمعات الإنسانية، بشكل يحفظ الإستقرار والأمن، ويسمح باستمرار الجنس البشري. أو لنقل، إن السياسة هي تنظيم المجتمعات الإنسانية، وهذا ما يتضح جليا من خلال دلالتها وأصلها الأشتقاقي. فالسياسة مشتقة في أصلها من اللفظة اليونانية.والتي تعني المدينة، هذه الأخير تدل على ذلك الكيان الاجتماعي المنظم الذي تتكامل وظائف أعضائه من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي، هؤلاء الأعضاء الذين ينبغي أن تتأسس علاقاتهم على فضيلة العدالة، وأن تتوجه حياتهم صوب تحقيق مثال الخير الأسمى، والسعادة الأكمل. وحتى في دلالتها اللغوية العربية، فالسياسية مشتقة من فعل ساس يسوس، يقال سَوَّسَهُ القوم : جعلوه يَسُوسُهم . ويقال : سُوِسَ فلان أمر بني فلان ، أي كُلِّف سياستهم. وسُوِسَ الرجل أمور الناس ، إذا ملك أمرهم. وبالتالي فالسياسية تعني تدبير الشأن العام وتعنى بها. ولعل الذي جعل السياسة ضرورة ملحة، هو تضارب آراء الأفراد وتقاطع مصالحهم. فلا يختلف اثنان حول حب الإنسان للتملك والسيطرة، كما لا يمكن أن نختلف حول اختلاف الأفراد في رؤاهم وميولاتهم وأهوائهم، هذا التقاطع في المصالح والإختلاف في الرؤى والآراء قد يؤدي إلى الصراع الذي قد يؤدي بدوره إلى العنف والإقتتال. فكان من الضروري تنظيم المجتمع الإنساني وفق نظام يسمح بتدبير الإختلاف والصراع تدبيرا عقلانيا، ومن ثمة جاءت السياسة بما هي هذا التدبير العقلاني للإختلاف بين الأفراد. غير أن السياسة تحتاج أجهزة يمكن من خلالها تدبير الشأن العام، وهي الأجهزة التي نصطلح عليها الأجهزة السياسة. ولعل أبرز جهاز سياسي على مر التاريخ الإنساني، هو جهاز الدولة. هذه الأخيرة تعتبر كوسيلة لتدبير الشأن العام عبر مجموعة من الآليات والمؤسسات الأخرى. ولا يمكن الحديث عن الدولة إلا بالوقوف عند العنف، كآلية رافقت العملية السياسية، سواء كآلية للتدبير أو كظاهرة لازمت التاريخ الإنساني. زيادة على ذلك، فالحديث عن السياسة لا يستقيم إلا من خلال الوقوف عند مفهومين آخرين مرتبطين بالممارسة السياسية، ولنقل تتأسس عليهما الممارسة السياسية وهما مفهوما الحق والعدالة، فلا يمكن للسياسة أن تفلح في غاياتها إلا إذا كانت سياسة عادلة، والسياسة العادية هي التي تأخذ بعين الإعتبار حقوق الأفراد .

تقديم مجزوءة السياسة:

تعتبر السياسة كآلية من آليات تنظيم المجتمعات الإنسانية، بشكل يحفظ الإستقرار والأمن، ويسمح باستمرار الجنس البشري. أو لنقل، إن السياسة هي تنظيم المجتمعات الإنسانية، وهذا ما يتضح جليا من خلال دلالتها وأصلها الأشتقاقي. فالسياسة مشتقة في أصلها من اللفظة اليونانية.والتي تعني المدينة، هذه الأخير تدل على ذلك الكيان الاجتماعي المنظم الذي تتكامل وظائف أعضائه من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي، هؤلاء الأعضاء الذين ينبغي أن تتأسس علاقاتهم على فضيلة العدالة، وأن تتوجه حياتهم صوب تحقيق مثال الخير الأسمى، والسعادة الأكمل. وحتى في دلالتها اللغوية العربية، فالسياسية مشتقة من فعل ساس يسوس، يقال سَوَّسَهُ القوم : جعلوه يَسُوسُهم . ويقال : سُوِسَ فلان أمر بني فلان ، أي كُلِّف سياستهم. وسُوِسَ الرجل أمور الناس ، إذا ملك أمرهم. وبالتالي فالسياسية تعني تدبير الشأن العام وتعنى بها. ولعل الذي جعل السياسة ضرورة ملحة، هو تضارب آراء الأفراد وتقاطع مصالحهم. فلا يختلف اثنان حول حب الإنسان للتملك والسيطرة، كما لا يمكن أن نختلف حول اختلاف الأفراد في رؤاهم وميولاتهم وأهوائهم، هذا التقاطع في المصالح والإختلاف في الرؤى والآراء قد يؤدي إلى الصراع الذي قد يؤدي بدوره إلى العنف والإقتتال. فكان من الضروري تنظيم المجتمع الإنساني وفق نظام يسمح بتدبير الإختلاف والصراع تدبيرا عقلانيا، ومن ثمة جاءت السياسة بما هي هذا التدبير العقلاني للإختلاف بين الأفراد. غير أن السياسة تحتاج أجهزة يمكن من خلالها تدبير الشأن العام، وهي الأجهزة التي نصطلح عليها الأجهزة السياسة. ولعل أبرز جهاز سياسي على مر التاريخ الإنساني، هو جهاز الدولة. هذه الأخيرة تعتبر كوسيلة لتدبير الشأن العام عبر مجموعة من الآليات والمؤسسات الأخرى. ولا يمكن الحديث عن الدولة إلا بالوقوف عند العنف، كآلية رافقت العملية السياسية، سواء كآلية للتدبير أو كظاهرة لازمت التاريخ الإنساني. زيادة على ذلك، فالحديث عن السياسة لا يستقيم إلا من خلال الوقوف عند مفهومين آخرين مرتبطين بالممارسة السياسية، ولنقل تتأسس عليهما الممارسة السياسية وهما مفهوما الحق والعدالة، فلا يمكن للسياسة أن تفلح في غاياتها إلا إذا كانت سياسة عادلة، والسياسة العادية هي التي تأخذ بعين الإعتبار حقوق الأفراد .

ما يجب معرفته

يمكن تعريف السياسة بأنها مجموعة من الأفكار والأساليب القانونية وغير القانونية التي يمارسها السياسيون للوصول إلى السلطة والمحافظة عليها من أجل ضمان مصالحه. إذن فكيف يتم تدبير الشأن العام؟ هل تتم الممارسة السياسية عبر مبدأ الحق والقانون والعدالة أم عبر مبدأ العنف والقوة؟

مفهوم الدولة:التقديم تعتبر الدولة أهم مؤسسة تسهر على تسيير المجتمع و تدبير شؤونه. و هي بذلك تعد أشمل تنظيم يعكس مجموعة أفراد المجتمع. و يتجلى هذا التنظيم في عدد من المؤسسات الإدارية و القانونية و السياسية و الاقتصادية التي تتطابق مع متطلبات المجتمع. إن وجود الدولة نابع من قصور المجتمع عن تسيير شؤونه في غياب هذه المؤسسة التي تحفظ وجوده و تضمن استمراريته. لكن بالرغم من هذه الأهمية التي تشغلها مؤسسة الدولة، يبقى سؤال ما هي الدولة غامضا؟ و هذا الغموض نابع من الأدوار المعقدة التي تلعبها الدولة داخل المجتمع ن و من التناقضات الواضحة التي ترافقها. و إذا كانت الغاية من وجود الدولة هي تنظيم أمور المجتمع. 

إشكالية المفهوم:

من أين تستمد الدولة مشروعيتها؟ من الحق أم من القوة؟ ما طبيعة الممارسة السياسة؟ هل هي متعالية عن المجال الذي تمارس فيه أم محايثة له؟ هل تمارس الدولة وظائفها بالقوة أم بالقانون؟ بالحق أم العنف ؟

ما يجب معرفته

الدولة هي مجموع المؤسسات التي تنظم حياة المجتمع في مجال ترابي محدد، هذه المؤسسات تشمل كل مجالات الحياة الاجتماعية التي تتمظهر في النواحي السياسية، الفكرية، القضائية، الإدارية والاقتصادية... إن الدولة، بصفة عامة، هي وسيلة لممارسة السلطة والهيمنة داخل المجتمع باعتبارها سلطة لها مشروعيتها، وذلك بغض النظر عن طبيعتها السياسية التي قد تكون مستمدة من الحق أحيانا ومن العنف أحيانا أخرى. إنها في نفس الوقت هي ما يضمن تنظيم حياة الأفراد والحفاظ على وحدة وتوازن المجتمع بشكل يسمح بسيادة القانون ويخدم المصالح العامة.

تعريف

  • مفاهيم ومصطلحات مفهوم الدولة:

مفهوم الدولة : تنظيم سياسي لجماعة ما على ارض محددة بهدف حماية القانون والامن الداخلي،اعتمادا على مؤسسات سياسية، عسكرية ،قانونية وادارية... مفهوم المشروعية : الحالة التي تكون فيها الحقوق الانسانية الاساسية والكونية (حرية،حياة...)هي المحدد الاول للعلاقات الاجتماعية والسياسية والاساس الذي تقوم عليه القوانين والدساتير مفهوم السلطة السياسية : الامكانية المتوفرة لدى الدولة لممارسة تاثيرها على الافراد والجماعات وتوجيه تصرفاتهم مفهوم الحق : قاعدة عقلية توجه تصرفات الانسان في علاقته مع غيره موضحة داخل هذه العلاقة ما له من حقوق وما عليه من واجبات مفهوم العنف : افراط في استعمال القوة تجاه الغيروالعالم الطبيعي لاخضاع الكل لارادة الذات بدون سند شرعي

مفهوم الدولة / المحور الأول: مشروعية الدولة وغاياتها

  • تمهيد المحور:

إذا كانت الدولة هي عبارة عن تنظيم سياسي لجماعة ما على أرض محددة.فمن بين الإشكالات الفلسفية التي تطرحها قضية مشروعية الدولة وغاياتها. ذلك لأن الدولة كجهاز ومؤسسة سياسية تمارس سلطتها على الأفراد، وبالتالي لابد من أساس ومبرر لمشروعيتها ولتبرير سلطتها على الأفراد. كما أن قضية الدولة تطرح إشكال غاية الدولة، أي الغاية التي تهدف إلى تحقيقها. وهنا لابد من البحث إن كانت غاية الدولة هي مصلحة الأفراد من أمن وحرية، أم أن غايتها هي الدولة نفسها، أم أن لها غايات أخرى كخدمة غير تلك.

  • إشكال المحور:

     من أين تستمد الدولة مشروعيتها؟ وما الغاية من وجودها؟   1ـــــ) أطروحة التصور التعاقدي (موقف طوماس هوبس). يتستمد الدولة مشروعيتها حسب توماس هوبز من التعاقد الاجتماعي، وغايتها ضمان الامن والسلم للافراد، ولتوضيح تصوره انطلق توماس هوبز من افتراض حالة الطبيعة التي هي حالة سابقة عن وجود المجتمع أو الدولة كان الافراد يتمتعون فيها بحريه مطلقة، وكان الانسان شريرا بطبعه الشيء الذي أدى الى حالة الحرب المزرية وهي حاله الحرب الكل ضد الكل وقتال دائم بين الافراد، وللخروج من حالة الحرب الدائرة بين الانسان واخيه الانسان لجأ الافراد الى التعاقد الاجتماعي الذي بموجبه تنازل الافراد عن حقهم الطبيعي في الحرية المطلقة لصالح شخص واحد، تخول له سلطة مطلقة ويلتزم بضمان سلامة وامن الافراد والحفاظ على حقهم الطبيعي في الحياة وفي مقابل ذلك يلتزم الافراد بطاعته وبذلك تكون سلطة الحاكم سلطة مطلقة لا يحق للافراد ان ينالوا منها او ان يتدجروا من تصرفاتها

ما يجب معرفته

يرى هوبز أن الغاية من إنشاء الدولة كمجتمع سياسي هي ضمان سلم مدني ومنع حرب دائمة بين الأفراد، فالدولة هي نتاج لميثاق تعاقدي بين البشر، انتقلوا بموجبه من حالة الطبيعة (حرب الكل ضد الكل) إلى حال المدنية. وذلك من خلال تنازل كل فرد بمحض إرادته عن جزء من حريته الخاصة أو سلطته أو قوته لصالح رجل واحد أو مجلس واحد، يخضع له كل أفراد المجتمع ويتمتع بسلطة مطلقة تضمن الأمن والسلم الاجتماعيين “كان علي أن أقوم، مرة واحدة في حياتي، بالتخلص من كل الآراء التي تلقيتها وصدقتها إلى ذلك الوقت... فإني سأوجه هجومي أولا  إلى المبادئ المؤسسة التي كانت تستند إليها آرائي السابقة”

أمثلة من الواقع:

  • لتدعيم الأطروحة يمكن الاعتماد على مجموعة من الأمثلة من الواقع أبرزها: ولإثبات صحة مذهب في أنانية النفس البشرية، وفساد سلوكها، يمكننا الرجوع إلى تاريخ البرابرة أو الأباطرة والحروب الدموية، والدسائس الاجتماعية والسياسية التي يسلكها الإنسان على الصعيد الفردي، أو الدول على الصعيد السياسي بغية تحقيق أهداف مروجة.
  • هيستريا الشراء:تمثلت مظاهر الأنانية في التهافت على السلع وتخزينها إلى الحد الذي جعل رفوف المتاجر الفارغة والتزاحم أمام المتاجر أمراً مألوفاً حول العالم. فمن الولايات المتحدة مروراً بفرنسا وبريطانيا ووصولاً إلى المنطقة العربية.

2ـــــ) التصور الهيغلي: الدولة غاية في ذاتها. (موقف  فريدريك هيجل): يذهب فريدريك هيغل إلى انتقاد النظرية التعاقدية، التي خلطت بين الدولة والمجتمع المدني، فالذي يقوم بحماية حرية الأفراد وحماية الملكية حسب هيجل هو المجتمع المدني وليست الدولة هي من تقوم بذلك، لأن ذلك سيجعل من الدولة مجردة وسيلة في يد الأفراد. إلا أن الدولة حسب هيجل هي غاية في ذاتها، وهي ضرورة تاريخية لا دخل لإرادات الأفراد فيها. بل أكثر من ذلك فالأفراد ليس لهم من الموضوعية والحقيقة ولا من الأخلاق إلا بما هم أعضاء في الدولة. فالحياة الجماعية تعتبر قدر الأفراد، ومصيرهم المحتوم. وهكذا فالدولة تستمد مشروعيتها من ذاتها، وأن غايتها في ذاتها. لكن.

ما يجب معرفته

يرى هيجل أن الدولة هي غاية في ذاتها، لأنها تجسد الروح المطلق، والإرادة العامة العقلية، الحرة والكلية. إنها هي التي تحرر الفرد من الانزواء حول ذاته وحول مصلحته الفردية، إنها هي التي تضمن الارتقاء من الفردي نحو العام والكوني" إنها حقيقة روح العالم. "  إن الدولة هي التحقق الفعلي للفكرة الأخلاقية الموضوعية”

أمثلة من الواقع:

لتدعيم الأطروحة يمكن الاعتماد على مجموعة من الأمثلة وأقوال هيجل من أبرزها : توضح أكثر مفهوم الدولة بنسبة لهيجل “ هي اكتمال مسيرة الإله على الأرض، وهي “الروح وقد وهبت نفسها التحقق الفعلي في مسار تاريخ العالم”، وهي “قوة العقل المحقق لذاته” وأن “الدولة هي الروح و قد تموضعت وأن “واجب الفرد الأسمى هو أن يكون عضوا في الدولة”

انتباه

  • إنتبه

 هيجل ينتقد نظريات الحق الطبيعي والعقد الاجتماعي

  • تركيب عام للمحور:

يتضح من خلال ماسبق أن نخلص إلى أن أسس الشرعية تختلف، كما تخلف غاياتها، وعلى العموم يمكن القول بأن الدولة يمكن أن تجد مشروعيتها في العقد الإجتماعي الذي بموجبه مر الأفراد من حالة الطبيعة إلى حالة المدنية والمجتمع والدولة، كما يمكن أن تجد مشروعيتها في ذاتها، إلا أنها يمكن أن تجدها في انقسام المجتمع وفي صراع الطبقات. إضافة إلى ذلك يمكن القول بأن غاية الدولة ترتبط بمصدر مشروعيتها، وبما أن أسس المشروعية تختلف، فحتما تتغير الغايات، لذلك نجد أن الدولة قد تأخذ الحرية والأمن كغاية لها، ويمكن أن تكون غاية في ذاتها، كما يمكن أن تكون غايتها هي خدمة مصالحة طبقة دون الأخرى.  

ما يجب معرفته

من خلال ماسبق نستنتج أن الأطروحات المتعلقة بمشروعية الدولة وغاياتها، تتباين بين من يراها قائمة عل منظور اتفاقي تعاقدي، يحفظ الأمن والسلم ويكفل تحقق الحرية الإنسانية، وبين من يراها تجسد تلك الإرادة العقلانية العامة الكونية التي تعبر عن المضمون الحق للحرية المطابقة للعقل، تجسد بجلاء أهمية الدولة ودورها الرائد في التحقيق الفعلي لإنسانية الإنسان، بل وتوفير شروط تحقيق كماله.

مفهوم الدولة / المحور الثاني: طبيعة السلطة السياسية

  • تمهيد المحور:

من أجل أن تمارس الدولة مهامها وأدوارها الموكلة إليها، لابد لها من سلطة سياسية. غير أن السلطة الممارسة من طرف الدولة تطرح إشكالا وهو المرتبط بطبيعتها وجوهرها، وإن كانت سلطتها قائمة على مبدأ الحق والقانون وفصل السلط، أم على القوة والمكر، أم أنها سلطة تجمع بين الحق والقانون وبين العنف والقوة والمكر.

إشكال المحور:

ما هي الخصائص التي يجب أن تميز الممارسة السياسية للأمير أو السلطان مع شعبه أو رعيته ؟ هل ينبغي أن تتأسس على الأخلاق أم على القوة والمكر؟   1ـــــ) أطروحة تصورالسلطة السياسية القائمة على الأخلاق و الحق (موقف  عبد الرحمن بن خلدون:): يجب أن يتأسس الحكم في نظر ابن خلدون على الجودة والصلاح، وعلى السلطان أن يحقق لرعيته كل ما هو صالح لهم، وأن يتجنب كل ما من شأنه أن يلحق بهم السوء والضرر. ولذلك وجب أن تكون العلاقة بين السلطان والرعية مبنية على الرفق والاعتدال في التعامل. فقهر السلطان للناس وبطشه بهم يؤدي إلى إفساد أخلاقهم، بحيث يعاملونه بالكذب والمكر والخذلان، أما إذا كان رفيقا بهم، فإنهم يطمئنون إليه ويكنون له كل المحبة والاحترام، ويكونون عونا له أوقات الحروب والمحن. انطلاقا من هذا حدد ابن خلدون خصلتين رئيسيتين يجب أن يتصف بهما رجل السياسة، وهما الرفق والاعتدال.

ما يجب معرفته

 يؤكد ابن خلدون على أن الممارسة السياسية ليست تسلطا أو استبدادا من طرف الحاكم تجاه محكوميه، بل هي رفق وتوسط واعتدال، بموجبه تنبني العلاقة بين السلطان والرعية على الصلح والعدالة اللذين يخدمان مصلحة الطرفين، فمصلحة الرعايا في الحاكم في استقطابه إليهم وفي لينه وحكمته، لا في تطرفه وبطشه الذي يفسد بصائر الناس وأحلامهم، فتمحي محبتهم للسلطان، وتصبح علاقتهم به مبنية على الخداع والمكر والكذب عوض الصدق واللطافة والمحبة ..  إن الملك إذا كان قاهرا باطشا بالعقوبات، منقبا عن عورات الناس وتعديد ذنوبهم، شملهم الخوف والذل ولاذوا منه بالكذب والمكر والخديعة ... وإذا كان رفيقا بهم متجاوزا عن سيئاتهم استناموا إليه ولاذوا به، وأشربوا محبته. "

أمثلة من الواقع:

الاستبداد بالحكم :هوالسبب الأبرز في سقوط الدول عن طريق النخبة الحاكمة التي تعيش في النعيم ناسية أو متناسية آلام شعوبها، فتستقوي عليهم بالقوة المسلحة كلما دعت الضرورة لإسكاتهم، فإن يؤكد ابن خلدون أن الاستبداد و"الانفراد بالمجد" هو الذي يؤدي للسقوط لدول. 2ـــــ) أطروحة تصور السلطة السياسية قائمة على القوة والعنف ( موقف  نيكولا ماكيافيلي): لقد برهن ماكيافيلي أن هناك أمراء في عصره أصبحوا عظماء دون أن يلتزموا بالمبادئ الأخلاقية السامية، كالمحافظة على العهود مثلا، بل قد استخدموا كل وسائل القوة والخداع للسيطرة على الناس والتغلب على خصومهم. هكذا دعا ماكيافيلي إلى ضرورة استخدام الأمير لطريقتين من أجل تثبيت سلطته السياسية؛ الأولى تعتمد القوانين، بحيث يستعملها بحكمة ومكر ودهاء، أما الثانية فتعتمد على القوة والبطش. من هنا يجب على الأمير أن يكون أسدا قويا لكي يرهب الذئاب، وأن يكون ثعلبا ماكرا لكي لا يقع في الفخاخ.والغاية عند ماكيافيلي تبرر الوسيلة.

ما يجب معرفته

يقدم ماكيافيلي معالم سياسة تتميز بطابعها البراغماتي والواقعي الذي يجعل من القوة وسيلة للتحكم في الناس والسيطرة عليهم، ومن المكر والخداع تقنية لممارسة السياسة ومواجهة الوقائع والأحداث. فالناس ليسوا أخيارا أو فضلاء بل مخادعون وأشرار، وبالتالي فقد كان لزاما أن يُتحكم فيهم بالقوة والخديعة، حتى ولو كان ذلك تجاوزا للأخلاق. إن الأمير مطالب بأن يكون أسدا وثعلبا في نفس الوقت..

أمثلة من الواقع:

مثال تشبيه الأمير بالأسد والثعلب: على الأمير أن يكون ثعلبا لمعرفة شبكة الفخاخ، ويكون أيضا اسدا ليخيف الذئاب، فذلك الذي يريد أن يكون أسدا فقط لا يفهم شيئا.

تركيب عام للمحور:

    نستنتج من خلال ماسبق أن  استمرارية الدولة في الوجود وغاياتها من هذا الوجود، يفرضان على ممارستها السياسية أن تكون متحركة بين القوة والوهن، بين المعرفة والجهل، موصوفة بالتبصر والاعتدال لتحقيق منافع الناس بما فيهم الحاكم والسبيل الخير لبلوغ ذلك هو أن تكون السلطة محايثة للمجال الذي تعمل فيه، بل ومبنية على الديمقراطية التي تفصل بين السلط وتكفل حرية الأفراد داخل الدولة.    

ما يجب معرفته

عموما يمكن القول أن طبيعة السلطة السياسية التي تمارسها الدولة قد تكون ديمقراطية عندما نسعى إلى الفصل بين السلط واحترام تخصصات كل سلطة.  وقد تكون ديكتاتورية عندما تتجمع هذه السلط فيما بينها في يد رجل واحد أو هيئة واحدة. وقد تكون ذات طابع إيديولوجي وقمعي في نفس الوقت.

مفهوم الدولة / المحور الثالث : الدولة بين الحق والعنف

تمهيد المحور: يتضح أن الغاية من تأسيس الدولة والتدبير السياسي للسلطة فرضته ضرورة إيجاد الحلول للمشاكل التي تطرحها الطبيعة أمام الإنسان. بل إن تعدد أسس ومنطلقات الدولة يتعدد بتعدد الغايات التي ترمي إليها؛ فإما أن يكون أساسها ومنطلقها هو العنف للحفاظ على ذاتها انطلاقا من مؤسسات تعطيه طابعا مشروعا أو أن يكون أساسها ومنطلقها الحق لضمان حقوق الأفراد انطلاقا من قانون متعارف ومتعاقد عليه، فإذا كان الحق هو ما لا يحيد عن قاعدة أخلاقية وقانونية ويشير إلى ما مشروع إما أخلاقيا أو قانونيا يمارسه الفرد انطلاقا من إرادته، فإن العنف هو نقيض الحق من حيت أنه يشير إلى اللجوء إلى ممارسة القوة قصد إخضاع فرد ما دون إرادته. 

إشكال المحور:

      ماهو الأساس التي تقوم الدولة؟ هل على العنف أم الحق؟ وهل العنف ضروري لتمارس الدولة وظيفتها؟ ألا يتعارض العنف مع الحق والقانون؟ 1ـــــ) أطروحة أساس سلطة الدولة هو العنف المشروع (موقف  ماكس فيبر): يذهب ماكس فيبر إلى ان الدولة سواء كانت تقليدية أو حديثة، ديمقراطية أو استبدادية لا يمكنها أن تستغني عن العنف الذي لجأت له كل التجمعات السياسية، وإن وظيفة الدولة الأساسية هي ممارسة العنف واحتكار استعماله وتنظيمه بقوانين وإجراأت ولهذا فالدولة هي المخولة باستعماله وبتفويض من يستعمله. وإن سلطة الدولة هي علاقة هيمنة وسيادة الإنسان على الإنسان مبنية على العنف المادي المشروع. فلكي تمارس الدولة وظائفها واختصاصاتها فإنها تلجأ بالإضافة على الوسائل القانونية إلى العنف المادي الذي تحتكره. والأطروحة المركزية لماكس فيبر هي أن الدولة تتأسس على العنف وأن اختفاء العنف هو اختفاء للدولة، وباختفاء هذه الأخيرة تعم الفوضى بين مختلف المكونات الاجتماعية. وبالتالي لا توجد إلا بالعنف ولا تقبل التعريف إلا بالعنف الذي هو وسيلتها الخاصة والعادية لممارسة السلطة. والسؤال الذي تثيره أطروحة ماكس فيبر : هل يوجد عنف مشروع؟ وهل يمكن تبرير استعمال الد ولة للعنف إلى حد جعله حق من الحقوق التي تتمتع بها الدولة؟ فرغم كل ما يمكن تقديمه من تبريرات للعنف الصادر عن الدولة، سواء كانت هذه التبريرات سياسية أو قانونية أو اجتماعية فإن العنف يبقى دائما بدون شرعية لأنه يوجد خارج العقل وأن دولة الحق تتعارض مع دولة العنف.

ما يجب معرفته

يعتبر ماكس أن ما يميز الدولة الحديثة هو تلك العلاقة الوطيدة التي تقيمها مع العنف، فهي وحدها تحتكر حق ممارسة العنف المشروع الذي لا يتنافى مع كونها تجمعا سياسيا وعقلانيا وقانونيا، والذي به يتم ضمان الأمن والاستقرار الجماعيين وباقي الحقوق الأخرى، إن الترجمة الفعلية لمفهوم الحق على مستوى الدولة تتجلى في إضفاء الشرعية على ممارسة أي وسيلة عنف داخل ترابه.” يجب أن نتصور الدولة المعاصرة كتجمع بشري، يطالب في حدود مجال ترابي معين بحقه في احتكار استخدام العنف المادي المشروع وذلك لفائدته “

أمثلة من الواقع:

  • لتدعيم الأطروحة يمكن الاعتماد على مثال الشرطة والجيش وإحتكارهم للعنف داخل المجتمع, الشرطة والجيش هما أداتان رئيسيتان، في استخدام العنف طالما أن المصدر الوحيد لهذا الحق المفترض هو موافقة الدولة. وبالتالي فسلطة دولة مبنية على العنف المادي المشروع.
  • يمكننا الإستشهاد أيضا بتروتسكي،أحد زعماء الحزب الشيوعي من خلال قولته الشهيرة " كل دولة تنبني على القوة".

  2ـــــ) أطروحة أساس سلطة الدولة هو الحق والقانون. (موقف  جاكلين روس): تعتبر جاكلين روس أن دولة الحق هي التي تحافض كرامة الفرد ضد كل أنواع العنف والتخويف. وتمثل دولة الحق نموذجا للدولة المعاصرة والتي حددتها بقولها " إنها دولة فيها حق وقانون يخضعان معا لمبدأ احترام الشخص، وهي صيغة قانونية تضمن الحريات الفردية وتتمسك بالكرامة الإنسانية وذلك ضد كل أنواع العنف والقوة والتخويف" فدولة الحق تؤدي إلى ممارسة معقلنة للسلطة مما يجعلها عملية إبداع دائم للحرية وفضاء لاحترام الشخص ومعاملته كغاية لا كوسيلة واعتباره معيار أسمى لصياغة القوانين والتشريعات التي تمنع كل أنواع الاستعباد والاضطهاد التي قد يتعرض لها. إن دولة الحق لا تقوم على العنف ولا تشرعن القوة ولا تسمح بمصادرة الحرية، وإنما هي دولة يخضع عملها لقواعد سليمة وصريحة وتتشبث بالقانون والحق واحترام الحريات وتفصل بين السلط باعتباره الآلية الفعالة لحماية الحقوق ومنع العنف.

ما يجب معرفته

إن مفهوم الدولة لا ينبني على العنف المشروع فقط، بل يتأسس كذلك على فكرة الحق؛ بحيث يكون من اللازم وضع الحدود الكافية التي تخلص حياة الفرد والجماعة من كل تعسف في ممارسة السلطة أو استغلالها؛ فدولة الحق هي التي تمارس السلطة بشكل معقلن، يسمح باحترام القانون وحرية الأفراد، وبالتالي نكون إزاء دولة حق وقانون قائمة على احترام حقوق الإنسان ضد كل أنواع الاضطهاد والاستبداد والعنف، إنها دولة تتخذ ثلاثة مظاهر هي : احترام القانون، الخضوع للحق، وفصل السلط. “سلطة دولة الحق نعمل بواسطة القانون والحق وتقوم على فصل السلط “

أمثلة من الواقع:

لتدعيم الأطروحة يمكن الاعتماد على مجموعة من الأمثلة وأقوال هيجل من أبرزها :

  • فصل السلط الذي يمكن من تحقيق الديمقراطية.
  • وفكرة الحق التي تهدف إلى الحفاظ على  الكرامة الإنسانية  
  • مبدأ القانون الذي يمكن من تحقيق المساواة واحترام الحريات الفردية والجماعية دون تخويف أو إرهاب.

تركيب عام للمحور: مما لاشك فيه أن  موضوع الدولة موضوعا مثيرا للتساؤلات أكثر منه مقترحا لإجابات كافية، وهذا طبيعي في إطار الفكر الفلسفي عموما والفلسفة السياسية على وجه الخصوص.. فرغم ما يبدو من اختلاف قد يصل حد التناقض، إلا أن التصورات التي تناولت الموضوع تجد بعض تبريراتها في مرجعياتها الفكرية وخلفياتها السياسية، وحتى معطيات الواقع الذي عبرت عنها. وتبقى منفتحة على التكامل والتقاطع في أحيان كثيرة، فعلى سبيل المثال إذا كانت بعض الدول مؤهلة لممارسة اللعبة الديمقراطية وتأسيس السلطة على الحق والقانون، فإن أخرى لم تعمل بعد على تأهيل المواطن وجعله يفرز الحاجة إلى هذا النمط من الحكم، بل تكون الحاجة إلى القوة أجدى من غيرها.

ما يجب معرفته

هكذا إذن، فالدولة هي مزيج بين الحق والعنف، تتأرجح بينهما، تمارس العنف المشروع باسم الحق، فيصير بذلك أداة لإحقاق الحق، ولو كان عنوانا للتسلط أو انتقادا للشرعية والإجماع، وبالتالي فما يجعل المواطن مرتبطا بالدولة وشرعيتها هو كونها دولة قائمة على الحق والقانون والمؤسسات، دولة تجمع بين السياسة والأخلاق تقوم على فصل السلط وتحافظ على حرية الفرد وكرامته ضد كل قهر أو عنف أو استبداد.

لمواصلة هذا الملخص، قم بالتسجيل بالمجان في كيزاكو

النسخة المجانية لكيزاكو:
  • ملخصات الدروس غير محدودة
  • فيديو مجاني في كل درس
  • تمرين مصحح مجاني
  • اختبار تفاعلي
إنشاء حساب مجاني
Signaler une erreur
Signaler une erreur